دفنت يديها في جيبي
المعطف وسارت زهراء متثاقلة الخطى فوق الأوراق المتساقطة، شاردة الذهن، غارقة في دوامة
من المشاعر المتضاربة.
مع كل خطوة، كان يصدر
صوت خافت كأنه صدى لتلك الأفكار. ورغم أن الجو كان خريفيًا باردًا، فإنه لم يكن قادرًا
على تبريد قلبها، فلهيب مشاعرها كان أقوى من أن يسمح لها بالإحساس بالبرد، ولا حتى
بقطرات المطر المتساقطة على وجهها. غير أن هذا اللهيب كان في ذات الوقت ينهكها،
يثقل كاهلها، ويشد أنفاسها وكأنها تسير في طريق طويلة بلا نهاية.
لم يكن هذا الشعور غريبًا
عليها أو حديث العهد بها، فمنذ طفولتها وهذا اللهيب يتقد بين الحين والآخر، يبعث إشاراته
إليها، لكنها لم تكن تعيره اهتمامًا، بل لم تكن لتفهمه بالأحرى، كانت تتجاهله وتمضي.
أما الآن، فما الذي تغيّر؟
لم يعد بوسعها التجاهل
أكثر، فقد باتت تدرك ذاتها أكثر من ذي قبل، تعرف مزاياها كما تعرف عيوبها،
وها هي قد اكتشفت نقطة ضعفها الكبرى. كيف لها أن تغضّ الطرف عنها؟ كيف تتجاهل
ما يثقل روحها؟ لم يكن ضميرها ليسمح بذلك أساسًا، بل لم تكن لتتقبل الأمر قبل كل شيء.
كيف لها أن تطمح لما
ليس لها، وقد أنعم الله عليها بالكثير؟ كيف يمكنها أن تسمح لهذه المشاعر بأن تتسلل
إلى قلبها دون أن تواجهها؟ كم مرة شعرت بالضيق لأن صديقتها نالت درجات أعلى منها؟ أو
لأن أختها حصلت على ملابس أكثر أناقة في العيد؟ كم مرة تألمت حين علمت أن زوج صديقتها
نرمين قد دعا زوجته إلى العشاء، بينما يعود زوجها هي متعبًا من العمل؟
وحتى حين حصل زميلها
على علاوة أكبر من علاوتها، بل وأبسط من ذلك، عندما قدّمت جارتها الكعكة لجارة أخرى
ولم تمنحها شيئًا منها.
كان كل ذلك كافيًا ليؤجج
بداخلها ذلك السؤال الذي لم يفارقها: لماذا لديهم هم، وليس لديّ؟
حاولت عبثًا إسكات هذا
الصوت الداخلي، لكنها لم تكن لتنجح، كان يتردد في داخلها كصدى بعيد لا يتوقف، يملأ
ملامحها بالعبوس، ويجعل الدموع تترقرق في عينيها. وها هي الآن تدرك أخيرًا ما كانت
ترفض الاعتراف به: لقد كانت تشعر بالغيرة وربما بالحسد نعم...
ولكن، كيف لها أن تتخلص
من هذا الشعور؟ كيف يمكن للإنسان أن ينتصر على الغيرة والحسد في داخله؟ كيف له أن يتعلم تقدير ما يمتلكه دون أن
ينظر لما هو في يد غيره؟
هل يمكن أن يكون الحل
في اعترافنا بأن الحياة مزيج من النعم والابتلاءات؟
نعم، قد تكون ملابس
الأخت أجمل، لكنها غير مريحة لنا.
قد يدعو زوج صديقتها
زوجته للعشاء، لكن زوج زهراء، رغم تعبه، يساعدها في أعمال المنزل كل مساء.
قد لا تحصل على نصيبها
من كعكة الجارة، لكنها تعلم أن هذه الجارة لن تتخلى عنها وقت الحاجة.
وربما تمتلك صديقتها
منزلًا أكبر من منزلها، لكنها تشتكي دائمًا من صعوبة تنظيفه، بينما زهراء تنتهي من
تنظيف منزلها الصغير بسهولة.
عندما أدركت زهراء الحقيقة،
وبأن المزايا والعيوب إنما هما وجهان لعملة واحدة، شعرت براحة داخلية. فلا أحد
ينعم بالكمال، ولا أحد يخلو من النقص أو العيب. فأينما وجدت النعمة، كان بجوارها التحدي،
وأينما ظهر النقص، ففي داخله يقبع فضل كبير قد لا يُرى للوهلة الأولى.
عندها، قررت زهراء أن
تتمسك بهذه الحقيقة، وأن تجعلها سلاحًا تواجه به ذلك اللهيب الداخلي كلما اشتعل. ولكن
في الواقع، هل يمكنها حقًا التغلب بالمقارنة فقط؟ ربما في البداية، أثناء محاولاتها
لتغيير ذاتها، كانت تحتاج إلى أن ترى ما لديها أكثر، أن تشكر الله على عطاياه، أن تدرب
قلبها على الرضا.
غير أن الحل الحقيقي
لا يكمن في المقارنة أو القياس ، بل في الامتناع عن النظر إلى ما في يد الآخرين.
لماذا على الإنسان أن يشغل نفسه بحياة غيره؟ لماذا عليه أن ينظر إلى عمل غير عمله،
أو زوج غير زوجه، أو أبناء وممتلكات الآخرين؟ فالمقارنة و القياس الوحيدين الذين
يستحقان الوقوف عندهما هما مقارنة الإنسان بذاته: كيف يمكنني أن أكون أفضل مما
كنت عليه بالأمس؟
هذا هو السؤال الوحيد
الذي يستحق منا كل هذا التفكير.
لطالما كان الحسد
العدو الأكبر للسعادة. فالسعادة
الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا بالرضا التام بالحياة. شعرت زهراء بهذه الحقيقة بكل
جوارحها، وأدركت أن السبيل الوحيد للطمأنينة هو أن تتحدى ذاتها، لا أن تقارنها وتقيسها
بالآخرين.
أن تمشي في هذه الحياة
بقلب هادئ، لا ترى إلا ما تحتاجه، وتشكر الخالق على ما تمتلكه. أن ترى الخير في كل
شخص، وتمنحه حقه من التقدير، لأن الحياة، بكل ما تعطيه أو تمنعه، عادلة ومنصفة. فقد
جعلت الإنسان على أكمل صورة، وكل ما عدا ذلك ما هو إلا تفاصيل عابرة.
يسعى كل إنسان
في هذه الحياة لأن يكون سعيدا وناجحا
علم تصميم الخبرات هو علم الحقيقة
الذي اتخذ من أهداف الإنسان غاية له. يوجه الإنسان ليكون قادرا من خلال وعيه المفتوح
على اتخاذ قرار صحيح وخيارات سليمة. ويزوده
باستراتيجيات حل حقيقية لمشكلاته
وكل ذلك من خلال
ندواته التي تبدأ "بفن معرفة الإنسان" ،" المهارة
في العلاقات" ،" سيكولوجيا النجاح" والبرامج الأخرى المستمرة
.
ليتمكن الإنسان من تحقيق
سعادته معتمدا على ذاته .
منذ وجد الإنسان
على وجه البسيطة وعدوه وصديقه لم يتغيران
إنهما فقط ذلك الذي يراه في المرآة
فليكتشف الإنسان ما يمكن
أن يفعله بنفسه .
يحيى هامورجو
Yorumlar
Yorum Gönder